إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
39381 مشاهدة
17- إثبات صفة العزة لله تعالى

[وقوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8]. وقوله عن إبليس: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: 82]. ].


الشرح
* قوله: (وقوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ).
في هذه الآيات التي ساقها المؤلف -رحمه الله- إثبات صفة العزة لله عز وجل.
*الآية الأولى: قوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ رد على المنافق الذي قال: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فرد الله عليه بقوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ .
العزة: الغلبة والقوة والمنعة، وكمال القدرة، فأخبر الله -سبحانه- بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، هو العزيز الذي يعز رسله، وهو الذي ينصرهم، وهو الذي يعز عباده المؤمنين، وهو الذي يقويهم، فالعزة صفة ذاتية له؛ لأنها من الصفات الملازمة للموصوف.
* الآية الثانية: حكى الله عن إبليس في سورة ص أنه أقسم بالعزة، فقال: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ دل على أن الله موصوف بالعزة، وذكر أن أسماء الله تدل على صفاته، وقد تكرر اسم العزيز في القرآن، في مثل قوله سبحانه: وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 62]. إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [العنكبوت: 26]. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [إبراهيم: 4]. فسمى الله نفسه العزيز في هذه الآيات، وكذلك ذكره بلفظ الفعل في قوله: وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران: 26]. وكذلك بلفظ اسم الفعل كما في هذه الآية: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ .
ويدل هذا أيضا على جواز الحلف بصفات الله؛ لأن الحلف بها حلف بالمتصف بها، ويجوز أن تسأل الله بصفته، فتقول: أسألك بعزتك التي لا ترام، ويجوز أن تحلف بها، فتقول: وعزة ربي كذا وكذا.
ولا يجوز الحلف بعزة المخلوق، فإن ذلك تعظيم لذلك المخلوق، كما حلف سحرة فرعون لما فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ [الشعراء: 44]. فأقسموا بعزته، فهذا تعظيم لذلك المخلوق.
مسألة: بعض العوام يحلف فيقول: ورب العزة فهل هذا يجوز؟
الجواب: يجوز ذلك لأن الله قد أثبت ذلك، فقال تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 180]. فيجوز أن تجعل العزة صفة لله، وهي مشتقة من اسمه العزيز، ويجوز أن تضيفها إلى ربوبية الله، فتقول: رب العزة يعني: مالك القوة، والقدرة والاستطاعة كلها مربوبة لله، كما قال تعالى: رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 180]. فإذا قلت: وعزة الله، فيكون مرادك الصفة التي هي من صفاته، فعزة الله يعني: صفة العزة التي له.
وإذا قلت: ورب العزة فيكون مرادك ما خلقه من العزة في المخلوقات ونحوها.